أهمية الإعلام وخطورته

 
  • أي حالة نستطيع أن نكرسها ونجعلها ظاهرة لتصبح واقعاً وحقيقةً , وذلك فقط عن طريق تقديم هذه الحالة ضمن برامج تطبيقية معتمدين التركيز والتكرار والتأكيد غير المباشر عن طريق الإعلام كي نستميل الناس للفعل والتقليد , لأن العامة العاديين يميلون دوماً إلى التقليد وليس إلى الإبداع . ولكي ننقل الناس من حالة التقليد إلى حالة التفكير الإبداعي , علينا أن نكرس الحالات الإبداعية ونقدمها ضمن برامج تطبيقية عن طريق الإعلام لنستميل الناس للتفكير في الأعمال الإبداعية , وهذه البرامج لا يمكن وضعها إلا من قبل أناس مبدعين - فالخطابات والمناقشات والتوجيهات والتنظيرات لا يمكنها فعل أي شيء - وبذلك نكون قد أغلقنا أكثر من نافذة في وجه أعدائنا , وأول نافذة نغلقها هي تحرير أبناؤنا من بين أيديهم عن طريق إشغالهم بعملية التفكير بالقضايا والأفكار المفيدة والضرورية التي نقدمها له , بدلاً من التفكير بالتفاصيل الصغيرة والأفكار المدمرة التي يقدمها له عدونا , والتي تقود أبناؤنا لعدم التفكير وفي أحسن حالاته التفكير بطريقة الموجة الزراعية ذات العقلية اللاهوتية . والنافذة الثانية التي نغلقها أمامه هي ملئ الفراغ القاتل الذي يعيشه أبناؤنا دون أن نحقق له التراكم والنمو في المعرفة , فيكون الزمن في هذه الحالة يساوي الصفر , ونوافذ أخرى نستطيع إغلاقها من خلال الإعلام , لأن الإعلام أخطر وسيلة .     
  • الشيخ هو حالة , والمطرب هو حالة , ولكن عندما نكرسهما من خلال وسائل الإعلام , ونسخر لهما المئات من القنوات لتكريس ظاهرة الفكر اللاهوتي والفن الهابط ليقدم لنا ديانة مشوهة وفناً هابطاً سيجعل من أبنائنا إما داعشاً وإما فاحشاً , فبفضل الإعلام تم التحويل من الحالة إلى الظاهرة , بل إلى واقع أيضاً لأن الفكر بالممارسة يصبح فعلاً ثم يتحول إلى عادات وتقاليد والأخطر بعد عدة أجيال يصبح طبعاً , ونحن لا نستطيع أن نطلب من أبنائنا إغلاق تلك القنوات ما لم نقدم له البديل المفيد والممتع لذلك علينا أن نقدمه له بأسرع وقت ممكن , وهذا البديل سيلعب دوراً هاماً وكبيراً في إفشال المشاريع والمخططات المرسومة منذ أكثر من قرن .
  • لقد قسم علماء نظرية المعرفة وفلسفة العلوم أفراد المجتمع إلى ثلاثة أقسام وهم ( العامة والخاصة وخاصة الخاصة ) ووضعوا نسباً لكل قسم من حيث عدد الأفراد فلاحظوا أن العامة تصل نسبتهم في البلدان المتقدمة ما بين ( 50% إلى 65% ) فما بالك بنسبتهم في البلدان المتخلفة كحال بلداننا العربية !
  • لكني في الحقيقة قسّمت أفراد المجتمع إلى أربعة أقسام وهي ( العامة والخاصة والصفوة وصفوة الصفوة ) واعتبرت العامة هم الأفراد الذين يعتمدون على المعلومات دون معرفة مضمونها وكيفية تكوينها وما هو أصلها , فقط يحاولون حفظها دون التفكير بها أو تحليلها وهذا يعني أن العامة تعمل بدوافع غرائزية أي أن الغريزة هي التي تقود العامة لذلك تسعى للتقليد وهي تتجاوز نسبة / 90% / في المجتمعات المتخلفة وقد تصل إلى / 99% / , أما الخاصة فهي الشريحة التي تدرك أهمية المعرفة لكنها لا تعيها أي أنها تفكر بها في عقلها وتناقشها ولا تقوم بتطبيقها , بينما الصفوة هي الشريحة التي تعي المعرفة فتعمل على تطبيقها , إذاً الوعي هو إنجاز وعمل لما تبغاه المعرفة , أما الشريحة الرابعة وهي صفوة الصفوة فهي الشريحة التي تأتي بكل شيء جديد مبدع غير موجود سابقاً فهي الشريحة التي ترسم وتؤسس لبناء مجتمع جديد متقدم وهذه الشريحة هم العباقرة والفلاسفة والعلماء والمبدعون .   
  • للتوضيح .. في عام / 2012 / عملت مع مجموعة على تدريب وتعليم أبناء منطقتنا كي نحميهم من الفراغ والانحراف الفكري , وكان المنتج عبارة عن مجموعة من الأطفال واليافعين من بنات وأولاد أعمارهم من الثامنة حتى الخامسة عشر عاماً  - وأحب أن أسميه منتج لأننا يجب أن ننظر إليه هكذا – ففي أحد الأيام دخلت على مجموعة من اليافعين قد نجحوا إلى الصف التاسع , مؤلفة من حوالي / ٢٨ / يافعة ويافعاً , أي أعمارهم حوالي / ١٤ / أو / ١٥ / عام , وكان عدد البنات حوالي / ٧٥ % / , وسألتهم بشكل فردي , من هو قدوتكم الذي تحبون أن تكونوا مثله في المستقبل ؟ فالكل تقريباً دون استثناء أجاب أنهم يحبون أن يصبحوا إما نجوى كرم أو هيفاء وهبة أو نانسي عجرم هذا بالنسبة للبنات , أما بالنسبة للشباب وقد كان عددهم قليل فكانوا يتمنون أن يكونوا راغب علامة واثنين أرادا أن يكونا لاعب كرة القدم كميسي - فتصوروا يا رعاكم الله - إلا فتاة واحدة قالت إن قدوتها هو أبيها , فبحثت عن السر , فوجدت أن والدها هو الوحيد بين الكل يملك في بيته مكتبة علمية وتثقيفية , وقد درب ابنته على القراءة , لذلك تميزت بإجابتها .
  • لقد استطاع عدونا أن يرسم ثقافة أمتنا من خلال المئات من القنوات , فقدم لنا الثقافة التي يريدها ويبتغيها وهي ( ثقافة الكيتش ) , أي خلق أشخاص مستهلكة ذو عقول مسطح . ولا ننسى أن مثل هؤلاء الأشخاص تصبح لديهم النزعة الفردية عالية جداً .
  • يجب أن نعترف أن أعداء أمتنا رسموا ثقافتنا لأن الاعتراف بالفشل هو بداية النجاح , ويجب أن نعترف أن إعلامنا متخلف ويسير وفق ذلك النهج دون أن يدري والأسوأ إن كان يدري , ولا يعرف ما الذي يقدمه لأبناء وطنه , إن إعلامنا متخلف جداً جداً وبشدة , لأنه لا يقدم مادة فكرية تطويرية أو بالأحرى لا يقدم مادة تغييرية والأصح لا يقدم شيئاً . يجب أن ننتقل وبأسرع وقت من العيش القديم إلى حياة الحداثة لرسم حياة جديدة تختلف اختلافاً كلياً عما نحن عليه . هناك فارق كبير وشاسع بين الحياة التي تعيشها الأمة والحياة التي يجب أن تحياها الأمة . إن فاقد الشيء لا يعطيه لأن الإناء بما فيه ينضح .
  • إن الانتقال من الحياة القديمة إلى الحياة الجديدة أي الانتقال من الموجة الأولى إلى حياة الموجة الثانية لا يقدر على رسمه إلا المبدعون والعباقرة والفلاسفة .
  • نحتاج إلى برامج تقدم فلسفة عربية من نتاج أبنائها مستمدة من بيئتها تؤسس فكراً عربياً مستقلاً له هويته وشخصيته , والذي بدوره يؤدي إلى تراكم ونمو كي لا يصبح الزمن مساوياً للصفر , وبرامج تطبيقية تؤدي إلى إشغال الناس بذلك . ولا يمكن الفصل بينهما أي من الخطأ أن نقدم الفكر دون أن نقدم برامج عملانية , أو أن نقدم برامج عملانية دون أن نوضح أهمية هذا الشيء بشكل مباشر أو غير مباشر , فتقديم فكر دون برامج عملية هو مضيعة للوقت , بينما تقديم برامج عملانية دون تفكير أمر خطير للغاية . ويجب أن نشرح أهداف أعدائنا ونبين آلية تفكيرهم بشكل علمي لا بشكل تحليلي , وما هي النظريات التي يعتمد عليها , ونقدم بشكل فكري وعملاني أهدافنا كي نصل إلى تكوين العقل الجمعي .
  • إن تكوين العقل الجمعي سيؤدي إلى التخفيف من النزعة الفردية القاتلة والسائدة بين أفراد الأمة , وخلق مكانها النزعة الجماعية التي تؤدي إلى تطوير الأمة . لذلك يتطلب منا تقديم البرامج الفكرية والتخفيف من البرامج السياسية التي لا فائدة منها سوى إضاعة الوقت , وهذه البرامج الفكرية يجب أن تكون مدروسة وغير عشوائية , ويجب أن تؤسس إلى حالة تراكم ونمو معرفي وإلا يكون تقديمنا مجرد املاء الفراغ وقتل الوقت دون فائدة وهذا ما يحصل . ( إن المعرفة تتناسب بشكل عكسي مع الأنا المتضخمة ) . لقد أصبح المحلل السياسي , كحال الشيخ والمطرب الهابط , فكل هؤلاء لا يبنون إنساناً . هناك شائعة تقول: ( العملة الرديئة تطرد العملة الجيدة ) , لكن الصحيح أن نقول ( تعويم العملة الرديئة لا تترك الفرصة للعملة الجيدة ) .
  • إن الإعلام هو أخطر وأسرع وسيلة من وسائل البناء أو الهدم , فأي شيء هو سلاح ذو حدين , إما يهدم أو يبني , ناهيك عن أن التلفاز استطاع أن يطرد المكتبة الكتبية من المنازل ويحل مكانها , أي استطاع أن يبدل الحياة من القراءة إلى الصورة , وأصبحت الصورة أهم من القراءة , لقد أصبح التلفاز أكبر قوة في التغيير الثقافي والاجتماعي , منذ اختراع المطبعة , لأنه يبعد الناس عن الكلمات ويجذبهم نحو الصورة , ويبعدهم عن التفكير ويدفعهم نحو الانفعالات بمدها وجذرها , فتوصله الصورة إلى انطباعات غير دقيقة , وتحرمه من التخيل الذي هو أهم من العلم فلولا الخيال لما وصل المبدعون إلى أسس العلم .

                                         قصي السعدي     

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كتاب الشامل لتعليم آلة العود (قصي السعدي)

كتاب الماسونية العالمية (قصي السعدي)