تقرير


التخلف والتقدم كالماضي والمستقبل


تقرير

هل طريق الخير يتماشى مع طريق الشر ويسيران معاً في طريق واحد , أم أن لكل منهما طريقه الذي يختلف عن الآخر بشكل كامل ومعاكس ؟!


فكما أن للخير والشر طريقين متعاكسين , كذلك فإن للتقدم والتخلف طريقين متعاكسين , وكما أن من يسير في طريق الشر يحاول عرقلة من يود أن يسير في طريق الخير , كذلك من يسير في طريق التخلف يحاول عرقلة من يود أن يسير في طريق التقدم , ويجب أن لا يغيب عن أذهاننا أن للمجتمعات المتخلفة قوة سلبية تجابه فيها كل قوة تحاول تغييرها , وكما أن هنالك أنبياء وأئمة يحاولون أن يهدوا الناس ليسيروا في طرق الخير , كذلك هنالك عباقرة وفلاسفة وعلماء ومبدعون يحاولون أن يهدوا الناس ليسيروا في طريق التقدم , وهذا ما نراه عند جميع الأمم التي أدخلت أبناؤها في طريق التقدم , لذلك نجد أن العلماء العباقرة والفلاسفة هم الورثة الحقيقيون للأنبياء , وهذا ما عبر عنه النبي محمد عليه الصلاة والسلام حين قال : ( العلماء ورثة الأنبياء ) , وبما أن النبي محمد عليه الصلاة والسلام هو آخر نبي على هذه الأرض , فمعنى ذلك , إنه يسدل الستار على عصر النبوءة ويرفع الستار عن عصر النبوغ , وبالتالي هي سنة كونية , بمعنى , لا تتشكل حضارة أمة دون نبي , ولا تستمر هذه الحضارة ما لم يرعاها عباقرتها وعلماءها ومبدعيها , ويجب أن يكونوا في طليعة المجتمع لا في مؤخرته


وعليه نجد أن لكلا الطريقين ثقافتان متناقضتان متعاكستان لا علاقة للواحدة بالأخرى , وبعبارة أخرى , لكل ثقافة عقل وفكر وتفكير ( عقلية ) يختلف عن الثقافة الأخرى , وهذا الاختلاف هو اختلاف جذري . وعلى هذا الأساس ما علينا إلا أن نغير الأدوات التي بين أيدينا لنؤسس ونكرس معاً ثقافة جديدة تختلف بشكل جذري عن الثقافة التي نتداولها ونسلكها في أيامنا هذه .


إن مفهوم الثقافة في رأيي هو ليس كما عرفناه سابقاً , أي أن الثقافة هي عبارة عن معرفة ومعلومات , وأن المثقف هو من نهل من الكتب وحفظ منها الشيء الكثير , بقدر ما هي وبكل بساطة عبارة عن ( سلوك ) وكذلك عبارة عن ( حديث اللحظة عند عامة الناس ) , لذلك وضعت تعريفاً جديداً للثقافة فأقول : ( هو السلوك المتبع من خلال حديث اللحظة الدائم والمستمر ) , فما فائدة الإنسان الذي يحفظ ويطلع على الكثير من المعرفة والمعلومات , أي من يدّعي أنه مثقف , لكنه يسلك سلوكاً يختلف عما يحمله في دماغه !! فمثل هذا الشخص – وأعتذر سلفاً – هو كالحمار الذي يحمل على ظهره أسفاراً . 


إن الخطوة الأولى التي يجب أن نقوم بها هي نشر ثقافة جديدة تستطيع أن تُدخِل وطننا عصر النهضة والتنوير والتقدم , فما التقدم والتخلف إلا قضيتان مركزيتان محوريتان فكريتان جذورهما المنهجية واللامنهجية , فبالمنهجية ندخل عصر النهضة والتنوير والتقدم , وباللامنهجية نبقى في التخلف والفوضى , كما حالنا اليوم. ولا يستطيع أن يرسم هذا الطريق سوى العباقرة والفلاسفة والعلماء والمبدعين , لا غيرهم , لأن فاقد الشيء لا يعطيه .


لا شك أن الإعلام هو السلاح الأمضى والأسرع لتوصيل الفكر والأشياء التي تود أي جهة أن توصلها , كما أنها الأشمل لأنها تصل إلى جميع الناس دون استئذان , لذلك نجد أن عدونا رسم سياسة الإعلام العالمي ليوصل الثقافة التي يود أن يوصلها إلى شعوب العالم الثالث , ليظل مسيطراً عليها , فنجد أن الثقافة التي رسمها تؤدي إلى جعل المتلقي إنساناً مستهلكاً ذا عقلية مسطحة , وقد أطلق عدونا على هذه الثقافة اسم ( ثقافة الكيتش ) , وقد بدأ بتأسيسها منذ سيطرته على أمريكا .


صحيح أن الإعلام لا يكفي في صناعة ثقافة جديدة بل يحتاج إلى تضافر جهوده مع كل من وزارة التربية والتعليم ووزارة الثقافة وحتى وزارة الأوقاف وكذلك الاتحادات والمنظمات والنقابات , لكنه يعدّ المحرك الأساسي لتحريك كل هذه القطاعات لذلك يجب أن يعمل جاهداً ليضيء شمعة تلو أخرى في طريق جميع قطاعات ومؤسسات وطننا ليمهد الدرب لجميع أبناء أمتنا .


إن العمل على تكريس أي حالة تؤدي في النهاية لتحويلها إلى ظاهرة , فالفكر بالممارسة يصبح فعلاً وبالتالي يتحول إلى عادات وتقاليد وبعد عدة أجيال يصبح طبعاً . لذلك نجد أن هناك المئات من الأقنية الدينية والمئات من الأقنية الفنية الهابطة التي يصرف عليها مئات المليارات من الدولارات لتحويل الناس إما ليصبحوا داعش أو ليصبحوا فاحش , وهذا ما ساهم مساهمة كبيرة في تحويل أبناء أمتنا إما أن يصبحوا متزمتين متشددين دون دراية أو يتحول إلى طريق الفن الهابط يريد أن يصبح مطرباً هابطاً , ونحن لا نستطيع أن نمنع أبناءنا من الابتعاد عن هذه الأقنية ما لم نقدم لهم البديل , لأننا لا يمكننا إيقاف الأمواج ولكن نستطيع أن نتعلم السباحة ,  صدقوني إن معظم أبناء وطننا ينتظرون البديل ليتفاءل في مستقبل أفضل له ولذريته , وما علينا إلا أن نسرع لنقدم البديل , كي ندخل في طريق التقدم الذي سارت عليه الكثير من الأمم والشعوب.


يجب علينا الاعتراف بأن عدونا استطاع أن يرسم الثقافة التي يريدها لنا , وأقصد بالعدو هنا هو عدو الأمة من صهاينة ومستعمر غربي وكذلك العدو الأكبر ألا وهو الجهل , فالاعتراف بالفشل هو بداية النجاح , فإن لم نعترف - على الأقل - بين أنفسنا ونظل نكابر فإننا سنبقى كما نحن عليه وأسوء , ولن نتقدم قيد أنملة .


يجب على الإعلام أن يبيّن جميع الأدوات اللازمة لنشر ثقافة جديدة تؤدي إلى عيش جديد ليساهم في تغيير جميع مفاصل الحياة التي يجب أن تتغير لا أن تتطور , لأن تطوير التخلف هو تخلف متطور لا تقدم , فكما ذكرنا سابقاً أن طريق التقدم يتعاكس مع طريق التخلف , إذاً يحتاج إلى أسس لبناء أساس مختلف عن أسس وأساس التخلف , أي أننا نحتاج لتأسيس أسس جديدة وعليه نقول : يجب بث برامج توضح كيف يجب أن تكون الثقافة الجديدة التي يجب أن تكون وكذلك الفن الذي يجب أن يكون والفكر والتفكير لبناء عقل جديد هو الذي يجب أن يكون ليساهم في رسم مشاريع عملية تسهم في خلق مجتمع جديد يتمتع بامتلاك أدوات جديدة تدخله طريق التقدم  .


م. قصي السعدي 

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كتاب الشامل لتعليم آلة العود (قصي السعدي)

كتاب الماسونية العالمية (قصي السعدي)