صراعات

الصراع بين المعتقدات والعادات والتقاليد والأفكار

 صراعات

تحاول ( العقائد والمعتقدات ) و ( الأفكار ) و ( العادات والتقاليد ) أن تستمر وتتصارع من أجل بقائها , مستفيدة من اقناع البشر بها , مُشكّلة بذلك الدافع الذاتي لها , وكل منها قد فرض وجوده من جهة ما , فنجد أن العقائد والمعتقدات – الفارق بينهما أن العقائد مصدرها الله أما المعتقدات فتنسب إلى الله – تستمد وجودها من الله , أما العادات والتقاليد فتستمد وجودها من الموروث الشعبي الذي يبقى مستمراً بحكم العادة , أما الأفكار فتستمد وجودها من أناس متميزين أقنعوا فيها أو اقتنعت بها مجتمعاتهم أو مجتمعات أخرى , فتحولت من أفكار إلى قواعد تجذرت في عقلية تلك المجتمعات , لذلك نجد  : 


 إن بعض المعتقدات ( الاعتقادات ) تدوم ولكن ذلك لا يعني أنها صحيحة .

إن بعض القواعد ( الأفكار ) تتجذر ولكن ذلك لا يعني أنها مفيدة.

إن بعض العادات تتأصل ولكن ذلك لا يعني أنها ضرورية.


وهؤلاء الجذور الثلاثة تستمد ديمومتها من قدرتها على الاستمرار , لا من صحتها أو فائدتها أو ضرورتها , تستمر لأنها تدغدغ عواطف البشر وغرائزهم , فتجعلهم أسيرة لهم لا العكس , دون أن يدروا , وباعتبار أن معظم البشر مستمرئين باللعب واللهو , فنجد أن الذين خلاف ذلك استطاعوا أن يتلاعبوا بهؤلاء البشر واستغلالهم أبشع استغلال , دون أن يدري المستَغَل أن المستغِل يتظاهر بأنه يؤمن بهؤلاء المسائل الثلاث , كي يبقى مسيطراً.


ولو وسعنا مجال الرؤيا مستخدمين نفس النهج لوجدنا أن المجتمعات المتقدمة التي استطاعت أن تتخلص من هذه الجذور الثلاثة .. محاولة أن تدعم هؤلاء الجذور في المجتمعات المتخلفة لتبقى تحت سيطرتها , وباعتبار أن الحياة لا تقبل الفراغ , فنرى أن ديمومة هذه الجذور الثلاثة تستمر في المجتمعات المتخلفة وتتمسك بها بسبب انتشار الجهل والفساد فيها من ناحية , ومن ناحية أخرى لعدم وجود البديل , ليس لعدم تواجده , بل لأسباب عديدة , أولها : قبولهم بالجذور الثلاث لأن أفراد المجتمع المتخلف قد استمرء باللهو واللعب وعدم تحمّل مسؤولية بناء المجتمع , ثانيها : عدم وجود حكومة متجانسة ومتناغمة تحمل هدف التغيير والتخلص من الجذور وتتطلع إلى حياة جديدة تتناسب مع العصر الجديد , ثالثها وأهمها : إبعاد العباقرة والمبدعون من الواجهة وهو أخطر سبب لديمومة الماضي واستمرار مفعول الجذور الثلاثة.


إن الأفكار الخبيثة شبيهة بالفيروسات , فهي تعيش وتنتشر عندما تجد استعداداً ومناخاً لها , وتموت عندما تواجه مناعة ترفضها وتقطع أوصالها . إن الأفكار الخبيثة ( الفيروسات ) تتسرب إلى العقول والنفوس عندما تطرح في مجتمع ضعيف المناعة أو فاقد لها وغير محصن , أي في مجتمع جاهل ومتخلف وهذا ما نحن عليه , لأننا لا نملك فكراً مستنيراً .. كما لا نؤمن بأنفسنا ولا بمن حولنا مهما بلغ من إبداع وعبقرية أي لا نؤمن بأن هناك أناس عندهم فكراً وفلسفة وعلينا أن نقف بجانبهم وخلفهم ومن حولهم , ليصبح لدينا مجتمعاً متجانساً .. يحمل فكراً نيّراً موحّداً وجامعاً إلى حد ما .. وعندما نملك هذا الفكر وهذه الفلسفة لا يعني أننا متشابهون .. بل العكس تماماً .. فالتشابه نجده في المجتمعات المتخلفة نتيجة الجهل .. وهذا التشابه لا يشكل تجانس بل على العكس إنه يشكل تنافر لأن كل فرد من أفراد المجتمع المتخلف يظن نفسه أنه هو وفقط هو كل المجتمع , بل كل العالم , ولا يرى سوى نفسه , لأنه يجهل معنى التعاون والتعاضد فيظن أنه يخسر بهما , لأنه لا يعرف سوى المنافسة غير الشريفة , معتقداً أن ذلك يدفعه في الصراع نحو البقاء . بينما عندما يحمل المجتمع فكراً وفلسفة مستنيرة موحدة , هنا يبدأ التجانس في المجتمع , والتجانس في هذه الحالة ليس التطابق , لأن الفكر والفلسفة هما اللتان ستولدان الأفكار الفردية المتوافقة مع كل فرد في المجتمع .. وبالتالي نحصل على مجتمع متناغم يتناغم فيما بينه هرمونياً كالموسيقا .. عندها لا تستطيع الأفكار الخبيثة أن تتغلغل بين أفراد هذا المجتمع .


م. قصي السعدي


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

كتاب الشامل لتعليم آلة العود (قصي السعدي)

كتاب الماسونية العالمية (قصي السعدي)